أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رائد سليمان احمد الفقير - جدلية الامن وحقوق الانسان في عالم الارهاب















المزيد.....



جدلية الامن وحقوق الانسان في عالم الارهاب


رائد سليمان احمد الفقير

الحوار المتمدن-العدد: 1685 - 2006 / 9 / 26 - 09:29
المحور: حقوق الانسان
    


تعود الجذور الحديثة لفكرة حقوق الانسان الى النصوص التقليدية التي ظهرت في القرن االثامن عشر كالاعلان الأمريكي للإستقلال وإعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطن، والإعلان العالمي لحقوق الاسنان 1948، ويري Richard Bauman بأن أصل الفكرة الحديثة لحقوق الانسان تعود الى تقاليد وتعاليم الجمهورية الرومانية القديمة.
وفي عصور العبودية كان الإنسان يعامل معاملة وحشية بربرية، حيث كانت تسود شريعة الغاب. وهذا ما دعا Bauman الى تحديد التقاليد الفلسفية والفقهية التي شجعت على تلك الوحشية، وذلك من خلال وصفة للإنسانية الرومانية في التعامل مع الإنسان .
ويرى البعض ضرورة تذكر دراسة هنري رينولدز والتي كانت بعنوان This Whispering in our Hearts والتي وثقت للكثير من الاصوات الحرة المسؤولة التي اعلنت في القرن الأول لإستيطان البيض في استراليا، ونادت بحقوق الأنسان في وقت كانت العبودية والإبادة الجماعية العنوان المميز له.
وفي العصور الرومانية، كانت هناك حالة من الشجبب والإستنكار العام للوحشية والعبودية والتي استمرت الى القرن الخامس(ميلادي) وهو ما يعني مجئ الامبراطور المسيحي قسطنطين.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الفقهاء الرومان على صعيد مؤسسة العبودية، إلا أنه لا يوجد دليل واضح أنها لم يتم تحديها من قبل أعضاء الطبقة الحاكمة خلال الفترة الكلاسكية(1) ويظهر ذلك بوضوح من خلال محاولة أول أمبراطور مسيحي روماني لتنظيم معاملة العبيد:
"إذا ضرب السيد العبد بقضيب أو سوط خفيف، أو وضعه في الاغلال، ومات العبد، فأنه لا يترتب على موت العبد أي مسؤولية جنائية، ولكن يكون مذنبا/ مجرما بجريمة القتل العمد Homicide إذا قام بقتل العبد بصورة عمدية مقصودة أو أذا شنقه ...... أو ألقاه من مكان عال، أو اخضعه الى عقوبات علنية بقطع أطرافه بأدوات معدنية وحرقه حيا، أو التعذيب حتى الموت، أما الإصلاح التأديبي والذي لا يرمي إلى قتل العبد، ولكن لتحســين سلوكه فلم يكون معاقبا عليه"(2). ولعبت الفلسفة الرواقية Stoic Philosophyلاحقا دورا غاية في الاهمية في القضاء على نظام العبودية الذي كان سائدا في ذلك الوقت بأعتباره اكثر الممارسات وحشية وانتهاكا لحقوق الانسان.
وفي هذا الاطار، ننوه الى أن الفيلسوف Seneca كان من اكثر الفلاسفة تأييداً لمبدأ عالمية حقوق الانسان والذي يفيد بأن الانسان يعيش مع الاخرين ضمن مجتمع تحكمه مجموعة من القيم،وبالتالي اتحاد النظرة إزاء وحدة اصول العرق الإنساني. وأكد هذا الفيلسوف على أن جميع البشر هم أقارب بالدم، وأنهم خلقوا بفضل الطبيعة من مصدر واحد ولأجل هدف ذاته. ومن هذا المنطلق يرفض الفيلسوف Seneca فكرة ونظام العبودية، وذلك لسبب بسيط وهو وحدة الاصل البشري.
ويقول بيومان أن أهم الانجازات المبكرة على صعيد حقوق الانسان وحمايتها فيما يعرف بـHumanities Romania. وفي هذا الاطار يوجز بيومان هذه الانجازات على النحو التالي:
• سن نصوص قانونية للنفي الطوعي كبديل عن عقوبة الإعدام.
• سن نصوص قانونية تسمح للأشخاص من غير الرومان لتظلم من جور الحكام، وهو ما يشمل إنشاء محاكم خاصة متخصصة للفصل في قضايا الفساد في روما.
• الإعتراف بحرية الرأي والتي لم تكن تحظي بأي احترام أو أهتمام في ظل النظام الأمبراطوري المستبد.
• اقرار القوانين الرومانية بمفهوم الإنسانية والتأكيد على مبدأ المساواة، الامر الذي ساهم في مراجعة جميع العقوبات التي كانت تنص عليها القوانين الرومانية والتي أتسمت بدرجة شديدة من القسوة واللأنسانية،
• صبغ نوع من المرونة على التشريعات الرومانية وبالقدر الذي يسمح بمعاملة الاجانب كالمواطنين الرومان.
• وضع القيود على الممارسات التي كانت تستهدف توطيد الأغراض والتقاليد العبودية.


أولا
مناهضة الإرهاب: الأمن وحقوق الإنسان
1. التحـرر من الخوف وحق الانسان في الأمن
تعتبر مبادئ روزفلت الأربعة حول الحرية حجر الزاوية في المساهمة في تطوير نظام حقوق الإنسان الذي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فالتحرر من الحقوق ربما ينظر له على أنه ترجم عمليا إلى مفهوم الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية. ولكن مع ذلك فأنه عندما نتحدث عن التحرر من الخوف ، فأن روزفلت ينسبه إلى السيطرة العسكرية، وليس لحقوق الإنسان أو الأمن الفردي.
ومع ذلك تبقى فكرة التحرر من الخوف فكرة غامضة وصعبة الفهم. ولكن هل يعتبر التحرر من الخوف في حد ذاته حق من حقوق الإنسان؟
تهتم حقوق الانسان وبشكل مباشر بالأمن الفردي، وبالتالي فأن فكرة (الأمن) هي في ذاتها حق من حقوق الإنسان، فالمادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حق الإنسان في الحياة، والحرية والأمن.
ولكن ماذا نعني بمفهوم الأمن Security كأحد حقوق الإنسان؟ المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتضمن وبشكل غير قابل للتجزئة ثلاثة أنواع مختلفة من الحقوق: الحق في الحياة، (حق الإنسان في أن لا يهدد في حياته وسلامة جسده) والحرية الشخصية (حق الانسان في التنقل) والحق في الامن الشخصي (حق الانسان في عدم الاعتقال او القبض بشكل غير قانوني او تعسفي) . ومن ثم فأن الحق في الأمن بموجب المادة الثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان يضع على الدولة الإلتزام بأن لا تتدخل في السلامة الشخصية للفرد.
وبالرجوع الى روح الإعلان العالمي لحقوق الأنسان، يذكرنا " لارس أدم روف " أنه أثناء مناقشة مسودة المادة الثالثة من الإعلان تم رفض الاقتراح بشأن تضمين المادة عبارة حماية الـIntegrity .
ورفض الاقتراح البلجيكي ايضا والذي كان ينص على تضمين المادة الثالثة عبارة "respect for the physical and moral of his person".
ومع ذلك كان الرأي الغالب الذي دعم من الوفد الفرنسي مع اختيار كلمة " الأمن " بأعتبارها أكثر شمولية من اي تعبير أخر. وفي نهاية المطاف تم تبني الصيغة الحالية للمادة الثالثة وبموافقة 36 عضوا ودون أى أعتراض، وتغيب 12 عضوا عن التصويت.
هذا الامر ترك الكثير من التساؤلات بدون إجابات، والتي من أهمها هل كان لدى مشرعي الإعلان فهم وتصور شامل لفكرة الأمن؟

2. الأمن الشخصي، الأمن الإجتماعي والعالم الأمن
أن اهم ما يميز المادة الثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، أنها ترجمة لاحقا إلى عدد من المواثيق والمعاهدات العالمية والإقليمية. وتكاد معظم المواثيق والمعاهدات العالمية والاقليمية الخاصة بحقوق الإنسان تتوفر على المفاهيم الثلاثة المرتبطـة بفكـرة " الأمن " والتي تعبر في مضمونها عن ثلاث مستويات للأمن: الفردي، الاجتماعي والدولي.
ويأتي في مقدمة المفاهيم الخاصة بالأمن، مفهوم الأمن الفردي أو الشخصي والذي وجد اصلا للحد من الصلاحيات الممنوحة للسلطات العامة في الدولة، ومنع استغلال هذه السلطات من إساءة استخدام صلاحياتها وسلطاتها للتدخل في الحريات الأساسية للفرد، وبالتالي توفير الحماية اللازمة له من أية إجراءات تعسفية أو عشوائية قد تتخذها هذه السلطات.
وأهم ما يميـز مفهوم الامن الشخصي أنه يحاكي مسألة " الضمانات الاجرائية " للفرد ضد الاعتقال والتوقيف المخالف للقانون والذي لا يعكس عدالة القضاء.(1)
أما المستوي الثاني من مستويات الامن فهو الأمن الإجتماعي، وهو أحد المفاهيم التي لا تزال تتأرجح بين القبول والرفض بأعتباره حقاً من حقوق الإنسان، وهناك جدل فقهي حول إعطاءه هذه الصفة من عدمها(2).
أما المادة 23 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان فأنها تشير إلى مفهوم الأمن الدوليInternational security وذلك في صيغة الحق الجماعي، وبمضمون هذه المادة، فأن جميع الاشخاص يتمتعون في الحق بالأمن والسلام القومي والدولي.
ومما تقدم، فأنه يلاحظ أن المفاهيم الثلاث المتعلقة بفكرة الأمن تشير إلى مدى أهتمام نظام حقوق الإنسان بمسألة أمن الأفراد والمجموعات. ومع ذلك فإنها لا تخلق مفهوم واضح محدد المعالم إزاء حق الإنسان في الأمن، وهو ما يستدعي اعطاءه قسطا من الاهمية لاسيما في ظل الظروف التي تواجهها الدول في مجابهة الأرهاب والذي أضحى يتهدد حياة الأفراد والمجموعات، فأصبح الإنسان بفعل الأعمال الأرهابية التي لا تعرف توقيت محدد، ولا تميز بين طفل أو أمرأة أو شيخ، ودور العبادة أو غيرها، عمياء تصب جام غضبها على جميع البشر، في الأماكن الخاصة والعامة وفي القطارات والحافلات والطائرات وفي البر والبحر.
ومع إخفاق نظام حقوق الإنسان في التعامل مع مسائل الأمن الفردي والجماعي في العالم، كان لا بد من توفير أليات بديلة للتعامل مع هذه المسألة. ففي عام 1977، عهد لمجلس الأمن الدولي مهمة المحافظة على السلام والإستقرار بموجب نصوص ميثاق الأمم المتحدة. وفي هذا السبيل اتخذت قرارات تأثرت بإختراقات حقوق الإنسان (أثر الإنقلاب العسكري في جنوب أفريقيا أثر مقتل Soweto فـي عــام(1976).
وعلاوة على ذلك، فأن أغلب قرارات مجلس الأمن الدولي على مدار السنوات الماضية، كانت مبنية على مسائل حقوق الإنسان والإنتهاكات الموجهة ضدها في انحاء مختلفة من هذا العالم.
وفي رأينا وبعيدا عن الأصوات التي تقول بسيطرة النفوذ الأمريكي على مطبخ صنع القرار الدولي، فأن هيئة الامم المتحدة ومجلس امنها تقوم بدور حيوي في حماية قيم حقوق الإنسان في الأمن والسلام، والعيش في بيئة خالية من الظلم والإستبداد.
4. الإنتقال من مفهوم (أمن الدولة) إلى الأمن الإنسان
لا زالت فكرة (أمن الإنسان) محور الحديث والجدل العالمي إزاء المعنى المتقلب والمتغير لمفهوم الأمن بشكل عام. فالإمن الإنساني كمفهوم جديد متميز تبلور وفقا لنظرة محبوبة الحق Mabbub Ulhaq والتي تضمنها تقرير الأمم المتحدة للتنمية في عام 1994.
لهذا أخذت كندا فكرة الأمن الإنساني وصاغتها كأحد أولويات سياستها الخارجية(1). ووفقا لمبادرة كندا ودول أخرى، تم إنشاء شبكة الأمن الإنساني كتحالف لمجموعة من الدول التي تؤمن بهذه الفكرة والتي تهدف إلى ترسيخ فكرة الأمن الإنساني عالميا(2).
باشرت شبكة الأمن الإنساني أعمالها من خلال المفوضية العليا للأمن الإنساني والتي تم ترأسها من قبل البروفيسور الهندي الدكتور إميراتي سين وساداكو أو قاتو(3).
ويذكر انه رافق مبادرة الامن الانساني إهتمام أكاديمي، وخضعت هذه الفكرة إلى نقاش وعصف أكاديمي مكثف في معظم جامعات ومؤسسات التعليم العالي في انحاء متفرقة من هذا العالم. الجدل الواسع والاهتمام المعمق تمخض عن إنشاء عدد من المراكز والأكاديميات، والبرامج والمعاهد المختصة بالأمن الإنساني(4)، و دور الكتاب العالمي بالابحاث المنشـورة(5) والمقالات المكتوبة(6) حول الأمن الإنساني، بالإضافة إلى عقد الندوات والمؤتمرات المختصة بهذا الشأن عالميا وأقليمياً. ويرى أنصار الأمن الإنساني ان الوقت ملائما لترسيخ مبادرة الأمن الإنساني.
من ناحية أخري، تركزت معظم الانتقادات لفكرة الامن الإنساني على أنها في جوهرها ومضمونها بعيدة كل البعد عن الشمولية. ويقول المعارضون لمفهوم الأمن بأنه لا يمكن أن يمارس بشكل منتج في الواقع العملي والتطبيقي.(7) بالإضافة إلى أن هذه الفكرة لا زالت تنتقص إلى الجانب النظري، وأن العديد من المسائل المتعلقة بتعريف المفهوم لا زالت شائكة.
وفي واقع الحال، تلعب فكرة الأمن الإنساني دورا ايجابيا على صعيد المساهمة في التشجيع على احترام وحماية حقوق الإنسان، وذلك من خلال إدخال وإشراك المجتمعات المدنية، وتبقى المعاهدات الدولية لإزالة الألغام ومؤتمر الأمم المتحدة حول الأسلحة الخفيفة، وكذلك إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ونظام التهديدات غير التقليدية للأمن القومي للدول في إستقرارها وكيانها وكرامة أفرادها، فأن عملية حماية الحدود والمحافظة على الوحدة الإقليمية لا يمكن أن تكون الحدود القصوى لهدف الأمن.
كما أن القيود التي تعاني منها سيادة الدول، وتحرك المجتمع المدني الدولي للدفاع عن المعايير والقيم الدولية، وتشارك وتقاسم السلطة داخل الدولة بين الحكومة وجهات في عالم العولمة المفتوح (...) تترك رسالة واضحة مفادها أن الدولة لم تعود قادرة كما في السابق على إحتكار مفهوم وممارسة الأمن.(1)

4. الحملة العالمية على الارهاب وحقوق الانسان
أثبتت التجارب الأخيرة والتي عقبت أحداث نيويورك والحملة العالمية ضد الإرهاب تقديم الأجندة الأمنية على حساب أحترام حقوق الإنسان.
وما معتقل (غوانتانمو) الا شاهد على حالة التراجع التي يشهدها ملف حقوق الإنسان عالمياً، أن حالة السعار العالمي والأمريكي خاصة في التصميم على إجتثاث جذور ما يسمي بالارهاب الذي تمارسه الجماعات الاسلامية المتشددة، وهو ما دفع الولايات المتحدة الى أن توحه ألتها الحربية لإحتلال أفغانستان والعراق وأرتكاب أبشع الجرائم ضد حقوق الإنسان على يد القوات الأمريكية في هذه البلدان.
ولا يمكن لاي أنسان حر شريف في هذا العالم ان تنسي ذاكرته ابشع صور الهمجية والبربرية الامريكية في سجن أبو غريب العراقي، تلك الجريمة التي هزت كيان وضمير البشرية جمعاء.
وعلى الرغم من الأخطاء التي ترتكب هنا وهناك على صعيد حماية حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يمكن أن يقاس عليه في التطبيق العام. ونشير هنا إلى أن نظرية حقوق الإنسان ذاتها، تسمح بفرض بعض القيود على تطبيقاتها في ظل توافر حالات وظروف استثنائية خاصة في أزمان الحروب والطوارئ.
وتجدر الملاحظة الى أن مسألة وجوب إحترام حقوق الإنسان ليست من المسائل المطلقة، حيث تكون في ظروف أستثنائية قابلة للتجميد أو التوقيف.ومهما يكن من امر التنازل عن بعض الشروط الخاصة باحترام حقوق الانسان في حال تعارضها مع اعتبارات المحافظة على الامن والاستقرار، فأنها وفي جميع الاحوال يجب ان لا تكون اقل من الحد الادني لحفظ الكرامة البشرية للانسان وادميته.
وفي القانون الدولي، يمكن تتبع هذا المفهوم في المادة 29(2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1)، وإعلان برشلونة(2) الذي حمل عنوان "الشراكة السياسية والأمنية، وبناء منطقة سلام وإستقرار مشتركة" ويذكر أن فقرات هذا الاعلان تعالج بشكل مباشر وغير مباشر قضايا حقوق الإنسان. وهذا ما أكدت عليه الفقرة التالية من هذا القسم "ويعرب المؤتمرون عن اقتناعهم بأن السلام والإستقرار والأمن في إقليم البحر الأبيض المتوسط يشكل مصدرا مشتركا للقوة، يتعهدون بالعمل من أجل دعمه وتقويته بكل السبل المتاحة المتوفرة لهم. وفي سعيهم لتحقيق هذا الهدف يعربون عن موافقتهم على إدارة المبادئ الأساسية للقانون الدولي ويعيد تأكيد عدد من الأهداف المشتركة المرتبطة بقضايا الإستقرار الداخلي والخارجي).
وفيما يتعلق بمسألة الأمن الدولي وحقوق الإنسان، قدم الإعلان باكورة من الإلتزامات والتي في مقدمتها الإلتزام بالعمل بما ينسجم مع قيادة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الأنسان، والمواثيق والمعاهدات الدولية، تطوير حكم القانون والديمقراطية في كل مناحي الحياة، إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وضمان الممارسة الشرعية والفعالة لتلك الحقوق والحريات، إعطاء مزيد من الإهتمام لتبادل المعلومات حول الإختلاف والتعددية وتدعيم التسامح بين مختلف جماعات المجتمع، ومحاربة ظواهر التعصب والعنصرية وكراهية الأجانب، إحترام المساواة في السيادة وكل الحقوق المتأصلة في السيادة، والوفاء عبر قناعة حقيقية بالإلتزامات التي يفرضها القانون الدولي، استخدام القوة والتهديد بها، والإتفاق على محاربة الأرهاب.(3)

6. مساهمة حقوق الانسان في مسائل الأمن
أضحت مسألة خلق نوع من التوازن بين الأرهاب وضرورات مكافحته وأحترام حقوق الإنسان وحتمية تنفيذ الإلتزامات الدولية بشأن تحقيق الحد الإدنى لاحترامها من أعقد الأمور التي تواجه عالم اليوم. وينبع هذا التعقيد من واقع الحال الذي يعيشه عالم الخوف والقتل والدمار الذي تفرضه الإيدلوجيات الإرهابية المتطرفة.
وفي ظل الظروف الراهنة التي يعيشها العالم في مواجهة موجات العنف والتطرف والقتل في كل مكان وعلى يد العديد من المجموعات المتشددة الاسلامية منها والمسيحية واليهودية والهندوسية وغيرها من المجموعات السياسية والايدلوجية الاخري، ذهبت محاولات العالم المتحضر في المحافظة على حقوق الانسان وصونها ادراج الرياح، واضحي الانسان مضطهد لكونه مجرد مشتبه فيه او متهم بالانتماء الى ايا من هذه الجماعات. والإرهاب الذي ذاقت البشرية مآسيه في السنوات الماضية رجح كفة الاعتبارات الامنية والاجراءات القانونية المشددة على اعتبارات حماية واحترام حقوق الانسان.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام1948، الذي يعتبر قانون دول عرفي يلزم جميع الدول بإتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاربة الأرهاب وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالتزامات مجلس الأمن الدولي بتقديم المجرمين المتورطين بإرتكاب جرائم وأفعال إرهابية إلى العدالة، فالأعلان العالمي لحقوق الإنسان يلزم الدول الاطراف بأن تحمي أي شخص من التعذيب، العقاب أو المعاملة الوحشية، واللانسانية والمهنية(1)، بالإضافة إلى تحريم الإعتقال والتوقيف والنفي التعسفي(2). ويفرض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الإلتزامات على الدول بضرورة أحترام مبادئ الشرعية القانونية وأن تضمن لكل فرد مبدأ قرينة البراءة الذي يفيد بأن المتهم بريء الى ان تثبت إدانته بموجب القانون وفي محاكمة عادلة يتمتع فيها بكامل الضمانات القانونية في الدفاع عن نفسه.(3)
أما العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية 1966 فأنه يحتوى على نصوص مفصلة، أهمها تلك المتعلقة بظروف الإعتقال والتوقيف(4)، والإجراءات القانونية والضمانات الواجب توافرها في المحاكمة العادلة(5).
وعلى خلاف الإعلان العالمي لحقوق الانسان فأن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تتضمن نصوصاً صريحة حول حالات الطوارئ Emergency Situations حيث تؤكد المادة 1/4 من العهد للدول على أنه في زمن الطوارئ العامة التي تهدد حياة الشعب وكينونة مؤسساته الرسمية يمكن للدول الأطراف أن تتحلل من إلتزاماتها في حدود لا تخالف قواعد القانون الدولي، وضمن سياسات غير منحازة.
أن إلتزام الدول بإحترام حقوق الإنسان الخاصة بعدم اخضاع أي انسان للتعذيب أو العقاب والمعاملة الوحشية، واللأنسانية يعتبر التزاما مطلقا(1)، لهذا فأنه إلتزام بإحترام مبدأ الشرعية القانونية(2). كما أن الحق في الحياة هو حق غير قابل للإنتقاص، على الرغم من أن العهد لا يحرم عقوبة الإعدام(3)، وفي الإطار ذاته فأن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لا يتضمن أية نصوص أخرى لا عدل الدول التحلل من التزاماتها بشأن ظروف الإعتقال والتوقيف، وحقوق الإجراءات القانونية الشرعية والسليمة، والضمانات الواجب توافرها في المحاكمات العادلة.
وفي غياب مثل هذه النصوص الصريحة التي تمنع الدول من التحلل من التزاماتها إزاء مسائل حقوق الإنسان، فأنه يبدو أن من حق الدول التحلل من التزاماتها إذا كان من شأن الإرهاب أن يخلق حالة من الطوارئ التي قد تهدد الشعب في حياته ومصيره(4).
وفي هذا السياق اوضحت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة انه في حالات الطوارئ تصبح قواعد القانون الدولي الإنساني قابلة للتطبيق.(5) زيادة على ذلك، حتى لو كانت هذه الحقوق قابلة للانتقاص، ويجب الأخذ بعين الاعتبار في هذا الشأن المعايير القياسية التي يفرضها القانون الدولي، حيث أن تصنيف هذه المعايير تتجاوز في حدودها قائمة النصوص الغير قابلة للتحلل والإنتقاص في العهد الدولي للحق في المدنية والسياسية(6). إضافة الى ذلك، فإن من الضروري الأخذ بعين الاعتبار النصوص التي تحرم (الجرائم ضد البشرية) والتي تضمنها نظام روما الأساسي لعام 1998 المنشيء للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة(7) وبالتالي تكون الجنة الدولية قد توصلت إلى نتيجة مفادها، القبول بتحلل الدول من بعض التزاماتها الخاصة بإحترام حقوق الإنسان في حال مجابهتها للارهاب.
وترى اللجنة أنه في جميع الظروف ووفقا للإعتبارات السابقة يجب (أن يعامل جميع الأشخاص الذين حرموا من حريتهم بإنسانية وبما ينسجم مع الكرامة الإنسانية(8)) والتوقيف السري غير قانوني مهما كانت الظروف(9). ومن ثم تكون الدول ملزمة بمنع اي أنتهاك لنصوص العهد للدول للحقوق المدنية والسياسية (10).
ووفقا لما سبق ذكره قررت اللجنة الدولية بأنه تم تضمين العناصر الأساسية لحق الشخص في الحصول على محاكمة عادلة بشكل صريح في القانون الدولي الإنساني خلال فترات الصراع المسلح، ومن ثم فأنها لا تجد أي مبرر للتحلل من توفير هذه الضمانات خلال حالات الطوارئ .... كما أن مبادئ الشرعية القانونية ومبدأ سيدة القانون The rule of law تتطلب ايضا ضرورة احترام المتطلبات الأساسية للمحاكمة العادلة أثناء حالة الطوارئ. وبالتالي فأن المحاكم المختصة وحدها المخولة لمحاكمة وإدانة الأشخاص عن ارتكاب الافعال الإجرامية، ويجب أحترام قرينة البراءة.... فالحق في أتخاذ الإجراءات القانونية أمام المحكمة لتمكنها من الفصل في الدعاوي دون مماطلة أو تأخير ووفقا للتوقيف القانوني السليم، ويجب أن لا يلغي من قبل الدولة الطرف في المعاهدة للتحلل من الالتزامات التي يفرضها العهد الدول للحقوق المدنية والسياسية.
ويلاحظ أن من أهم القرارات التي أتخذتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ذلك المتعلق بضرورة مراعاة المعايير العالمية والدولية الخاصة بالمحافظة على كرامة وإنسانية الأشخاص الذين حرموا من حرياتهم بسبب ممارسة السلطات العامة في الدولة لصلاحياتها في مجابهة ومحاربة الإرهاب، واكدت اللجنة على وجوب توفير هذه الحماية في كافة الظروف والأماكن والأزمات. ويلاحظ أن هذه الحقوق لم يتضمنها العهد الدولي وحده بل تم النص على وجوب احترامها في العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية.(1)
والى جانب الإهتمام بالأمن القومي، فأن القانون الدولي لحقوق الإنسان أهتم بمسألة الأمن الفردي أو الشخصي Personal Security، فمن المتفق عليه أن الأمن الشخصي في جوهره يعتبر من أهم حقوق الإنسان. وتؤكد المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على هذا الحق. وجاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وطور نص المادة الثالثة من الإعلان العالمي، وبشكل ميز فيه بين الحق في الحياة والحق في الحرية.
وتنص المادة التاسعة في فقرتها الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على تمتع كل شخص بالحق في الحياة، وأن لايحرم أي شخص من حقه في الحياة بصورة تعسفية. وجاءت هذه المادة وبشكل أساسي ايضا لتحمي الأشخاص من الإعتقال والتوفيق التعسفي وبشكل تضمن لهم حرياتهم وأمنهم..
ويلاحظ من المفهوم العام للمادة التاسعة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنها لا تفرض أي إلتزامات على الدول لتحمي أشخاصها من أية تهديدات أمنهم الشخصي، كالتهديد الذي يحدثه الإرهاب.
ومن وجهة نظر اللجنة الدولية فأن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية(1) يعتبر المرجع الأساسي لحق الفرد في الأمن، إلا أنه لا يوجد دليل على أن ذلك يهدف الى تضيق مفهوم الحق في الأمن ليقتصر فقط على حالات الحرمان الرسمي. ووفقا لرأي اللجنة الدولية فأن الدول الاطراف ملزمة بإتخاذ كافة الإجراءات الرامية الى حماية الاشخاص الذين ينتمون إليها.
وفي رأينا فأن تفسير المادة التاسعة بصورة تمنح الدول الحق بتجاهل التهيديات والمخاطر التي تواجه و الانسان في أمنه الشخصي يعد امرا مجافيا للضمانات التي ينص عليها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ويري المدافعون عن حقوق الإنسان بأن من واجب الدولة ومسؤوليتها حماية جميع الأفراد الخاضعين لإختصاصها من أية تهديدات محتملة، بما يشمل التهديدات التي يشكلها الإرهاب. وكما هو معلوم فأن الأفعال الارهابية تمثل تهديدا حقيقيا لحقوق الافراد في سلامة أبدانهم وممتلكاتهم ومؤسساتهم العامة.
6. معاهدة الإتحاد الأوروبي والمعاهدة المؤسسة للجماعة الأوروبية
ضمنت الإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، الموقعة في روما بتاريخ 4/11/1950 الأسس والمبادئ الملائمة الملزمة للإتحاد الأوروبي وهي مبادئ الحرية والديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحكم القانون. وفي هذا الصدد أقرت المادة 11 من معاهدة الإتحاد الأوروبي بأن أحد أهداف الإتحاد الأوروبي السياسية المشتركة، هي(تطوير ودعم الديمقراطية وحكم القانون، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية).
أما المادة 2/172 من المعاهدة المؤسسة للجماعة الأوروبية فقد شددت على أهمية حقوق الإنسان في تناولها للتعاون في مجال التنمية، حيث عرفت هذه المادة التعاون التنموي كعمل يسعى (للمساهمة في تحقيق نتيجة ودعم الديمقراطية وحكم القانون وإحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وذلك بوصفها أهدافا عامة من أهداف الجماعة).
وفي الصدد ذاته، تنص المادة 13 من هذه المعاهدة على أن الجماعة (تفعل ما تراه ملائما من اجل محاربة التميز القائم على الجنس، العرق، والدين والعقيدة ، والعمر ، أو الميول الجنسية)(2).
ولعل من أهم الممارسات والمساهمات الأوروبية في حماية حقوق الأنسان، تضمين الإتفاقيات الرابطة بينها والدول غير الاعضاء بها شروط صريحة متعلقة ومرتبطة بحقوق الإنسان، وفي هذا الإطار تضمنت المسودة الرابعة للاتفاقية(2) شرط أولي يتعلق بحقوق الإنسان. كما لجأ الاتحاد الاوروبي إلى وضع عدة شروط صارمة بشأن حقوق الإنسان وكان الهدف من ذلك منح الجماعة القدرة القانونية التي لا سبيل لانكارها على تعليق الإتفاقية كلية أو جزئيا، وفي حالة انتهاك دولة ما طرف في احدى الاتفاقيات لحقوق الإنسان انتهاكا صارما أو قيامها بأعمال تخل بالمسار الديمقراطي.(1)

ثانياً
حقوق الانسان بين الاعتبارات الامنية وواجبات محاربة الارهاب
1. ماهية الإرهاب وكيفية تعامل سلطات الدولة معه
لا زلنا إمام معضلة هامة ترتبط بعدم توافر تعريف محدد لظاهرة الإرهاب، لكن ما عرفته اتفاقية جنيف الأولى الخاصة بمكافحة الإرهاب عام 1937، قد يكون هو الأقرب لمعرفة هذه الظاهرة حيث عرفته بأنه " الأفعال الإجرامية الموجهة ضد الدولة والتي يتمثل غرضها أو طبيعتها في إشاعة الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص أو لعامة الشعب".
ومع التسليم بصحة هذا المفهوم لكن هناك ظروف قد طرأت على هذه الظاهرة حيث أضحت تأخذ مناحي مختلفة وصور عديدة، فلم يعود الإرهاب إرهاب أفعال بل أصبحت الأقوال ونشر الفتن والنعرات الطائفية والتي من شأنها تهديد سلامة وأمن الدولة من قبيل الافعال والنشاطات الارهابية.
وبهذا فأننا نرى بأن نشر الأفكار التكفيرية الهدامة وإطلاق الفتاوى وتبرير الأعمال الإرهابية هو الوجه الأخر للإرهاب بل هو مصدر الإرهاب بعينه، بحيث تشكل هذه الأفكار تهديدا مباشرا لأمن وسلامة الدولة ومواطنيها، ناهيك عن الرعب الذي تنشره في نفوس المواطنين، وهذا ما كان لزاما على سلطات الدولة أن تعد العدة اللازمة لمواجهته بكافة طرقها ووسائلها المشروعة، والتي من شأنها الحفاظ على حماية الآمنين في اشخاصهم وممتلكاتهم وهذا الشئ لا يمكن أن يتسن إلا في ظل وجود إطار تشريعي تمنح فيه السلطات العامة في الدولة مزيدا من الحرية في التعامل مع إفرازات هذه الظاهرة حتى يتم وقف كل من تسول له نفسه محاولة العبث أو التشويش على أمن وصفاء الأمنيين الأبرياء. فالأمن هو من أهم الثوابت والمرتكزات الأساسية التي تقوم عليها الدول، والحفاظ عليه من أكثر الأمور أهمية وحساسية للحفاظ على كيانها وأمن مواطنيها من أي خطر يلوح بهم.
2. حقــوق الإنســان والإرهـــاب
عملت الاحداث الملازمة واللاحقة للهجوم على برج التجارة العالمي في نيويورك والتحالف الدولى المناوئ للإرهاب على وضع الأجندة الأمنية في مقدمة أولويات الدول وعلى حساب التزام هذه الدول باحترام حقوق الإنسان، وما معتقل " عوانتانامو" إلا خير شاهد على حالة التراجع التي يشهدها ملف حقوق الإنسان عالميا.
إن حالة السعار العالمي والأمريكي خاصة في التصميم على اجتثاث جذور الإرهاب العالمي، وعلى وجه الخصوص لدى المتطرفين والإسلاميين في الدول الإسلامية والعربية أدى الى أن توجه الولايات المتحدة آلتها الحربية لاحتلال أفغانستان والعراق وارتكاب أبشع الجرائم ضد حقوق الإنسان على يد القوات الأمريكية في هذه البلدان. ولم يبق احد في هذا العالم الا وشاهد البربرية الأمريكية وإسقاطاتها الثقافية والأخلاقية في سجن أبو غريب العراقي، تلك الجريمة التي هزت كيان وضمير البشرية جمعاء.
وعلى الرغم من الأخطاء التي ترتكب هنا وهناك على صعيد أحترام حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يمكن أن يقاس عليه في التطبيق العام. وفي هذا الصدد نشير الى أن مبدأ ونظرية حقوق الإنسان ذاتها تسمح باتخاذ بعض الإجراءات والقيود المشددة والكابحة للحريات العامة في حالات وظروف استثنائية خاصة كالحروب والطوارئ . ومن ثم فان نظرية احترام القيم والمعايير الخاصة بحقوق الإنسان ليس مطلقة، بل وفي ظروف حصرية واستثنائية هي قابلة للتجميد أو التوقيف، ولكن وفقا لآليات تحفظ الحد الأدنى من كرامة وآدمية الإنسان. ومن هنا يجب أن لا تكون حقوق الإنسان عائق جامد أمام العمل الأمني ولاستخباراتي والأعمال التي تقوم بها السلطات العامة في الدولة والتي تهدف أساسا الى حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار والذي ينعكس إيجابا على جميع المناحي المتعلقة بحياة الإنسان ذاته.
وعلى صعيد القانون الدولي، فأنه يمكن تتبع هذا المفهوم في المادة 9 (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المادة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. هذه المواد بالاقتران مع المواثيق والمعاهدات الدولية الهامة الأخرى، مثل معاهدات جنيف، والمعاهدة الدولية ضد التعذيب، والعقوبات أو المعاملات الوحشية ، واللا إنسانية المهينة والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل جميعها تساعدنا في تحديد جوهر حقوق الإنسان، فهذه الحقوق التي تضمنتها المواثيق والمعاهدات الدولية هي حقوق أساسية غير قابلة للتسوية أو النقصان، وذلك لسبب بسيط وهو أن مثل هذه الحقوق تحدد النسيج الأساسي لمجتمعاتنا المدنية الديمقراطية ، فأي انتهاك لهذه الحقوق الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة يعد أمراً خطيراً ، ونذير شؤم يهدد بانهيار نظام العدالة الجنائية في أي بلد من البلدان.
ومما تقدم، فاننا نتوصل إلى نتيجة مفادها عالمية وشمولية فكرة حقوق الإنسان والتي لا تقبل الانتقاص وفقا لأي معيار ومهما كانت الأسباب، وبالتالي فان أي عمل لمجابهة الإرهاب يجب أن تتخذ في جوهره لحماية حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية باعتبارها من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الدول. وفي هذا السياق أوضحت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان Inter American Commission ما يلي : -
" إن الهدف والغاية الأساسية من جميع المبادرات المناوئة للإرهاب في المجتمع الديمقراطي هو حماية المؤسسات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومبدأ سيادة القانون، وليس كبحها".
ولكننا توصلنا الى نتيجة سابقة مفادها أن الانتقاص من حقوق الإنسان في أوقات وظروف استثنائية كحالات الطوارئ أمرا مقبولا، شريطة إن تتم تلك العملية وفقا لمبدأ سيادة القانون، وضمن معايير الشرعية القانونية ، وداخل إطار الشرعية الدستورية وفي حدود لا تتجاوز مظلة القيم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية القائمة في أي بلد من البلدان، وبدون أي تميز مهما كان أساسه.
ومع الموجه الأخيرة للخطر الحتمى لظاهرة الارهاب الاعمي قامت معظم دول العالم بسن قوانين لمكافحة الإرهاب والتي في جوهرها تفرض قيود مختلفة على ممارسات حقوق الإنسان، وتنقص من فاعليتها في سبيل أن لا تكون عقبة في أداء أجهزة الدولة ودورها في مكافحة الإرهاب واجتثاث هذه الظاهرة المنتشرة ، وكان لا بد أن تكون هذه القوانين منبثقة من المبادئ الدستورية ومنسجمة مع مبادئ الشرعية والمساواة ومتناغمة مع مبدأ سيادة القانون، ويرى بعض فقهاء القانون أن سن مثل هذه القوانين يعد في حد ذاته مخالفا للنظرية التي تقوم عليها فكرة حقوق الإنسان، وذلك لأنها تسمح للأجهزة الأمنية وقوات الشرطة والجيش القيام بأعمالها دون إعارة مبادئ حقوق الإنسان أي اهتمام. كما أن ممارسة عمليات هذه الأجهزة وفقا للقوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب يتم بصورة عشوائية وانحيازية ولا تتماشى مع المعايير القانونية.
وفي هذا السياق ، فإننا نؤكد على ضرورة أن لا تتعارض حقوق الإنسان في مفهومها وتطبيقها مع مبدأ المحافظة على الأمن كما ويقر المدافعين عن حقوق الإنسان بمدى الأثر السلبي الذي يتركه الإرهاب على حقوق الإنسان، وهذا ما أكد عليه التقرير الخاص بالإرهاب الذي جاء عشية أحداث أيلول والهجوم على نيويورك بان " ليس هناك أي حق من حقوق الإنسان معفى من آثار الإرهاب" وبعد تأكد الأثر السلبي للإرهاب على حقوق الإنسان منذ إعلان فينا وبرنامج عمل عام 1933 الذي جاء في أعقاب المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، وذلك لارتباطه الوثيق بعدد من الأفعال الإجرامية الأخرى، لسيما تلك المرتبطة بالجريمة المنظمة كالاتجار بالنساء والأطفال وتجارة الأسلحة والمخدرات .
وعلى الرغم من تفهم مدافعي حقوق الإنسان بحتمية تأثير الحملة العالمية المناوئة للإرهاب على حقوق الإنسان، إلا أنهم غير قادرين على الانخراط بها وذلك لان الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب تشكل تهديدا أكيدا للحقوق السياسية والمدنية للشعوب، ومن أهم الأسباب التي تجعل هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان الجنوح عن المشاركة ما يلي:-
- غموض وعشوائية التعريفات الخاصة باصطلاح الأعمال الإرهابية وتضاربها في بعض الاحيان مع مفاهيم القوانين الجنائية والتي تسمح بتصنيف السياسيين غير المرغوب بهم، وأعضاء المنظمات غير الحكومية والمواطنين المدنين الأبرياء كإرهابيين.
- الاعتقالات التعسفية ، والمعاملة المهينة وغير الإنسانية للموقوفين ، وانعدام المحاكمات العادلة للمطلوبين لقوات التحالف الدولي في كل من أفغانستان والعراق.
- عدم توافر الضمانات الملائمة باستخدام الإجراءات المالية لمحاربة الإرهاب، والتي من شأنها إحباط محاولاتهم في ممارسة نشاطاتهم الإنسانية والمساعدات في معظم المناطق المتأثرة .
- حدة الإجراءات الدولية بشأن قوانين اللجوء السياسي، والهجرة وسياسات إحكام وإغلاق الحدود لمنع الأبرياء وضحايا الإعمال الإرهابية من الحصول على مكان امن.
- شيوع الطرد للأجانب وتسليم المطلوبين وممارسات التعذيب وعقوبات الإعدام.
- الانتهاك الخطير لحق الإنسان في السرية Right to Privacy خاصة وأخضاع مكالمات وتنقلات الأشخاص للمراقبة والتسجيل والتخزين.
- القيود المفروضة على حرية التعبير والوصول الى المعلومة ومنع الصحافة والمؤسسات الإعلامية من ممارسة مهامها الديمقراطية.
- الانتقاص من الضمانات الإجرائية والقانونية للأفراد والتي تمنع من إجراء المحاكمات العادلة وبالتالي إحقاق العدالة.
- الممارسات العنصرية والتميزية واللامساواة بين الأشخاص ، والتي من شأنها أن تزيد من حدة ما يعرف بالصراع بين الحضارات.
وفي جميع الأحوال علينا أن لا ننسى بان حقوق الإنسان تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذه الحقوق تتطلب الزام الدولة باحترامها وتحقيقها ، فعلى سبيل المثال الدولة ملزمة بتمكين الإفراد من ممارسة حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية و الطعام وتوفير التعليم الإلزامي والإجباري. ولم تعد المسألة الوحيدة في سياق حماية حقوق الإنسان الحد من السلطات القهرية للدولة ضد الإفراد، وإنما جملة من الالتزامات التي يقع على عاتق الدول القيام بها، وفي مقدمتها الإدراك السليم لفكرة حقوق الإنسان والأمن، والمساهمة في خلق الظروف الملائمة لتحقيق الأمن والسلام والتنمية الدولية. ومع ذلك فان الدولة ليس وحيدة في تحمل هذه المسؤوليات، بل يجب على جميع أجهزة المجتمع المدني في الدولة ، بمن فيهم المدافعين عن حقوق الإنسان المشاركة في تحمل هذه المسؤولية.

3. العلاقة ما بين الارهاب وحقوق الانسان
مع تنامي الفكر المتطرف الارهابي المتزمت الذي لا يعتبر حكرا على دين او جماعة او شعب بمفرده وضعت مسالة حماية حقوق الانسان على المحك، وأضحت البشرية تواجه مأزقاً حقيقياً بشأن حماية حقوقها وأمنها لم تواجهه منذ صياغة الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948.
وعلى الرغم من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان والويلات التي جرتها الحرب العالمية الاولي والثانية على البشرية، الا ان الهجوم الاثم على الابرياء في نييورك واستباحة دماء الابرياء في برج التجارة العالمية تعتبر من ابشع الجرائم التي ترتكب في عصر حماية حقوق الانسان. هذا الهجوم الغير مبرر والاهوج لجماعة لا تمثل الا ايدلوجياتها الاأنسانية والمتطرفة المناوئة لجميع المبادئ السمحة التي جاءت بها الشرائع السماوية والوضعية والفلسفية والاخلاقية، بل والمنافية للفطرة البشرية في صفائها ونقائها جعلت من الولايات المتحدة وكثير من دول العالم تتشدد في مسائل حفظ امنها حتى لو كان ذلك على حساب تراجع الحماية التي التزمت بها الدول الاطراف في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لحقوق الانسان والحريات العامة ومبادئ وقيم الديمقراطية.
أن الخطر الحقيقي الذي اضحي يمثله شبح الارهاب في تهديد الافراد والدول في وجودها وكيانها جعلت دول العالم تتهافت على سن قوانين تعود في قسوتها وشدتها وتغافلها لحقوق البشر الى العصور البدائية دون اعطاء حقوق الانسان وحمايتها اية فرصة ايجابية. كما واضحى الاجنبي بشكل عام والعربي والمسلم بشكل خاص في كثير من المجتمعات والدول الغربية والاوروبية متهم لمجرد شكله الاسيوي او الشرق اوسطي او لمجرد ان اسمه محمد او احمد.
تميز اعمى وافرازات سوداء جاءت لتوسع الهوة بين الحضارات والاديان والغت ما يسمي بحوار الاديان والمحاولات الخيرة للخيرين في هذا العالم ومن كافة الاديان والاعراق. هذا في جوهره يعد نذير شؤم هدم ما بني عبر القرون الماضية، وهو ما جعل البعض يقول بِأن هذه التطورات الدراماتيكية على صعيد التراجع الدولى لحماية حقوق الانسان لا يعد الا انتصارا للقائمين على ايدولوجيات وسياسات الموت في الجبال والوديان النائية في هذا العالم.
في ظل شيوع أفكار تغليب حماية الامن القومي والوطني على حماية واحترام حقوق الانسان تراجعت الادانات الدولية التي كانت في السابق تمثل رادع اخلاقي لاي تجاوز تقوم به الدول ضد حقوق الانسان التي يتمتع به مواطنيها او حتى الاجانب المتواجدين على اراضيها. ويبقي السؤال في هذا الاطار هل تحتم حماية الامن القومي فعلا انتهاك حقوق الانسان؟ وهل هذه الفرضية تتناغم ام تتعارض مع الالتزامات الدولية التي تفرضها المواثيق والمعاهدات الدولية على الدول الاطراف فيها؟ وهل هذه النزعة الجديدة المناوئة لحقوق الانسان ستتسبب بحدوث عواقب وخيمة غير مدروسة اثارها المستقبلية على علاقة الافراد بالدول؟
وعلى الرغم من عدم توافر مرجعية قانونية دولية لتعريف اصطلاح الارهاب او تحديد الاعمال الارهابية اضحت الدول تتخبط في تعريفها الارهاب وتعطي سلطاتها العامة المزيد من الصلاحيات لقمع كل شئ ربما يهدد الدولة في استقراراها وسيادتها على مواطنيها واراضيها. ومن ثم فأن العشوائية التي تشهدها الاجراءات الدولية في التعامل مع ظاهرة الارهاب هي في صميمها تنبع من غموض او حتى عدم توافر اصطلاح محدد لتعريف الارهاب.
لم يخلو تاريخ البشرية المعاصرة من وجود محاولات للتعامل مع مكافحة ظاهرة الارهاب حيث تعود المحاولات الاولى الى اتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم والافعال المرتكبة على متن الطائرات لعام 1963، وأتفاقية لاهاي للحجز غير المشروع للطائرات لعام 1970 وأتفاقية مونريال للاعمال غير المشروعة للطيران المدني لعام 1976 واتفاقية منع الجرائم ضد الاشخاص ذوى الحصانة الدولية والمعاقب عليها لعام 1973 وأتفاقية مناهضة اخذ الرهائن 1979 والاتفاقية الدولية لمنع القذف الارهابي بالقنابل 1997 والاتفاقية الدولية لمنع تمويل الارهاب 1999 واتفاقية المؤتمر الاسلامي لمقاومة الارهاب 1999 والاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب في القاهرة 1998 والاتفاقية الاوروبية لمكافحة الارهاب 1997. وأهم ما يلاحظ على هذه الاتفاقيات جميعها هو عدم توافرها على تعريف شامل ووافي متفق عليه عالميا لأصطلاح الارهاب، هذا الغياب لا يوجد له الا مبررات تعسفية تهدف الى خلط المفاهيم وتبرير المحرمات الدولية في الانتقاص من حقوق الشعوب في مقاومة الاحتلال والمحافظة على سيادتها واستقلالها.
أن الاقرار الدولي والاعتراف العالمي بالارهاب كاصطلاح متفق عليه كجريمة دولية ذات أركان محددة تستوجب معاقبة مرتكبها سيحد حتما من الجرائم التي ترتكب في حق الكثير من الاشخاص بحجة انهم ارتكبوا جريمة الارهاب.
وفي هذا الاطار نرى ان التوصل الى تعريف واحد متفق عليه من قبل الجميع للارهاب سيحد حتما من تسلط وتعسف الدول الكبري في تجاوز حدودها لاحتلال الغير وانتهاك حرمة سيادته واستقلاله بحجة حماية امنها الدولي، هذه الحرب الوقائية تتنافي جملة وتفصيلا مع حق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالية كيانها والذي يعد من الحقوق المقدسة التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولي وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني.
4. المفهوم السليم لما يعد انتهاكا لحقوق الإنسان
أن عدم وجود معيار دولي واضح يمكن الاستناد اليه في تحديد ما إذا كانت الإعمال التي تقوم بها السلطات العامة في الدولة للحفاظ على أمنها تتوافق مع حقوق الإنسان من عدمه من شأنه أن يؤدي الى وجود لبس أو عدم وضوح فيما إذا كانت هذه الإعمال متوافقة مع النظرية العامة لحقوق الإنسان أم لا.
قد تعود أسباب عدم الوضوح في معرفة ماهية حقوق الإنسان والإخلال بها للاختلاف بالنظرة في الحقوق والحريات بين ما يعد حقا خالصا للفرد وحقا خالصا للدولة، وهذا ما يعكس عدم اتفاق الفقه الدولي في إرساء إطار موحد لما يعد أخلالاً بحقوق الإنسان أو انتهاكا لها.
وأحيانا قد يكون الاختلاف في العادات والتقاليد والنظرة في الحقوق والحريات في كل دولة على حدها السبب لعدم الاتفاق على مفهوم واحد لانتهاك حقوق الإنسان فعلى سبيل المثال هنالك اتجاه يغلب على الأنظمة الأوروبية نحو إلغاء عقوبة الإعدام بوصفها تعد واضح على حق الإنسان في الحياة بغض النظر عن ما أرتكبه من توقع به هذه العقوبة، بينما يغلب الاتجاه في المجتمعات العربية والإسلامية أن عقوبة الإعدام على الأشخاص المرتكبين لجرائم تستحق تلك العقوبة هو تطبيق الحكم وليس في ذلك أي انتهاك لحق الإنسان في الحياة، وبالتالي يبرز الاختلاف بهذا الصدد أن الأنظمة الأوروبية تنظر الى عقوبة الإعدام على إنها انتهاك لحق الإنسان في الحياة، بينما ينظر للعقوبة في الدول العربية والإسلامية على إنها تنفيذ لحكم شرعي نص عليه التشريع السماوي.
وقد أدى عدم الاتفاق لما يعد انتهاك لحقوق الإنسان الى عرقلة الضمانات الدولية المقررة لغاية حماية حقوق الإنسان.
هذا وقد عملت الأمم المتحدة عن طريق مؤسساتها المختلفة والجهود العالمية التي قادتها على سبيل إقرار حقوق الإنسان عن طريق الإعلانات، والمواثيق الدولية وكذلك الجهود الإقليمية ( الأمريكية والأوروبية). كل تلك الجهود أنما رمت إلى إرساء قواعد ومعايير يمكن من خلالها الكشف عما إذا كان تدخل السلطات العامة في الدولة لحماية أمنها تشكل أخلالا لحقوق الإنسان من عدمه.
لكن وضع مفهوم سليم لما يعد انتهاكا لحقوق الإنسان إنما هو وحسب رأينا مسؤولية الأمم المتحدة التي يجب عن طريق مؤسساتها المختلفة مع الاخذ بعين الاعتبار عادات وتقاليد كل دولة وتحترم نظرتها للحقوق والحريات بالصورة التي لا تتعارض مع القانون الدولي.
5. حالة الطواريء وحماية حقوق الانسان
أضحت مسألة ايجاد التوازن بين مكافحة الارهاب وما تتطلبه من اجراءات عملية لتحقيق الامن وبين احترام حقوق الانسان وتنفيذ الدول لالتزامتها الدولية في حماية الحد الادني من حماية حقوق الانسان وحفظ كرامة الانسان وادميته من أعقد الامور التي يوجهها المجتمع الدولي في عالم الخوف والقتل والدمار الذي تفرضه الايدلوجيات الارهابية المتطرفة. ولم يعود يخفى على احد عدم نجاعة الدعوات الدولية والاعلانات العالمية للمحافظة على حقوق الانسان وحمايتها في الانتهاكات في ظل الاجراءات المطولة والمشددة التي تتخذها الدول على حساب هذه الحقوق بزعم ضرورات ومتطلبات المحافظة على الامن الوطني للدولة والمواطنين.
في واقع الحال لم تعود مسألة حماية حقوق الانسان في ظل الاطر الامنية وضرورة حماية مصالح الدولة من تهديد الجماعات الارهابية سوى عائق يحول دون اتخاذ الاجراءات اللازمة التي تخول الدولة وسلطاتها العامة من احكام قبضتها على على كل خطر محتمل يهدد الامن والاستقرار في الدولة. ومع أن المواثيق والمعاهدات الدولية تمنح الدول وفي ظل ظروف استثنائية وفي حالات الطورائ من التحلل الجزئي والمؤقت لألتزامتها الدولية في المحافظة على حقوق الانسان وعدم انتهاكها شريطة ان لا يكون ذلك التحلل في اي حال من الاحوال خارج نطاق مبدا القانونية والشرعية القانونية والدستورية.
وفي هذا الصدد نجد ان الاعلان العالمي لحقوق الأنسان لعام 1948 يلزم جميع الدول الاطراف بأتخاذ كافة الاجراءات الملائمة والمناسبة لمكافحة الارهاب وبصورة غير صريحة، فعلى سبيل المثال على مجلس الامن التزام قانوني بتقديم المجرمين والمتورطين بأرتكاب جرائم أرهابية الى العدالة الدولية، وفي الوقت ذاته نجد ان الاعلان نفسه يحرص على التزام الدول بحماية حقوق الانسان، حيث نص على التزام الدول بأن تحمي الاشخاص من التعذيب العقاب والمعاملة الوحشية واللانسانية المهينة، بالاضافة الى الاعتقال والتوقيف والنفي التعسفي. كما يفرض الاعلان العالمي لحقوق الانسان على الدول الالتزامات المتعلقة بضرورة أحترام مبادئ الشرعية القانونية وأن تضمن لكل فرد مبدأ قرينة البراءة الذي يفيد بأن المتهم برئ الى ان تثبت ادانته بموجب القانون وفي محاكمة عادلة يتمتع فيها بكامل الضمانات القانونية في الدفاع عن نفسه.
أما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 فأنه ينطوى على نصوص تفصيلية تتعلق بحماية حقوق الانسان، ومن أهمها تلك المتعلقة بظروف الاعتقال والتوقيف، ونص أخر يفصل الاجراءات القانونية والضمانات الواجب توفرها في المحاكمة العادلة.
وعلى خلاف الاعلان العالمي لحقوق الانسان نجد أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 يتضمن نصوص صريحة حول حالة الطوارئ Emergency Situation، فقد أجازت المادة الرابعة من العهد الدولي في حالة الطوارئ الأستثنائية التي تتهدد حياة الامة أن تتخذ في أضيق الحدود تدابير تتحرر بها من التزامها الدولي بأحترام بعض حقوق الانسان. على أنه يشترط لاعمال هذا النص أن تكون الدولة أمام حالة طوارئ أستثنائية تهدد حياتها، وأن تكون هذه الحالة معلنة رسميا، وأن تكون التدابير المتخذة في أضيق الحدود، وألا تنطوى هذه التدابير على تمييز من أى نوع بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الاصل الاجتماعي، وأن تكون تلك التدابير مقبولة في مجتمع ديموقراطي حر، وأن تكون ذات طابع مؤقت، وأن تصدر بقانون.

6. أهمية التشريعات القانونية الرادعة للإرهاب
أن ما تشكله ظاهرة الإرهاب من مخاطر تشمل مساحة واسعة من القطاعات في الدولة يستدعي معه لزاما وجود إطار تشريعي يواجه هذه الظاهرة ويحول دون تفاقمها، حيث تستهدف هذه التشريعات حصر الإرهاب عن طريق الوقاية منه وذلك لمنع الجريمة قبل وقوعها الأمر الذي يقضي على هذه الطاهرة منذ البداية، لا سيما أن هذه الظاهرة تنال من الأفراد ومن حرياتهم وتحرمهم من العيش الأمن الخالي من الاستقرار. وكذلك ما ينجم عن هذه الظاهرة من أثارة سلبية، تنال من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الدولة والتي تعرقل مسيرة الدولة في التقدم والإصلاح يجعل من هذه التشريعات أيضا غاية في الاهمية.
وبهذا فأننا نرى أن ما تقوم به السلطات العامة في أي دولة من تحرك أمنى ضد هذه الظاهرة الخطيرة هو داخل حدود المشروعية أذا أحسنت التصرف في ذلك، وأن أي أجراء أمني إزاء أي فرد ولا سيما إذا كان هذه الفرد مروجا للأفكار التكفيرية الهدامة أو محرضا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الظاهرة، هو ليس سطوة أمنية كما ينعته البعض وليس فيه اى انتهاك لحقوق الإنسان بل هو ضرورة لازمة حتى يتسنى للدولة الحفاظ على أمن مواطنيها وحرياتهم الشخصية من أي خطر يهددهم وهذا لا يمكن إلا في ضوء تشريع عصري يمكن السلطات العامة في الدولة من القيام بواجبها الأمني بأكمل وجه في أطار المشروعية القانونية والسلامية الإجرائية التي نص على احترامها الدستور.

ثالثا
الأمن الإنساني وحقوق الإنسان

أن أهم ما يجذب أهتمامنا لدى مناقشة موضوع الأمن الإنساني وحقوق الإنسان، هو ترابط المفهوميين بإعتبارهما يشكلان قيمة إنسانية جوهرية لا خلاف عليها، إلا أن ربط الأمن بمفهوم حقوق الإنسان يعطي هذه القيمة بعدا جديدا يتطلب التمحيص والتدقيق. وفي هذا السياق فلا بد من إيجاد مدى الروابط التي تربط بين مفهومي الأمن الإنساني وحقوق الإنسان، وكذلك القيم والقواسم المتشركة بينها، وهنا نرى بضرورة التعرف على مستويات الأمن الإنساني ومفهومه ومدى الأنعكاسات التي يتركها هذه المفهوم على المجال التطبيقي لحماية حقوق الإنسان سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.


1. مفهوم وماهية الأمن الإنساني

على الرغم من الأراء القائلة بأن فكرة الأمن الإنساني هي فكرة جديدة إلا أنه يجد أساسه في العديد من الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، ويذكر أن مفهوم الأمن يجد جذوره في النص القرأني، يقول لله عز وجل في محكم كتابه (وليبد لهم من بعد خروفهم أمنا)(1) و(الذي جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به)(2) ويلاحظ من الأيات السابقة، أن المفهوم الإسلامي للأمن ارتبط وبشكل وثيق بالإنسان مولدا ووجودا.
وعلى ما يبدو ظهر مفهوم الأمن الانساني في السنوات الأخيرة من أجل خلق نوع من التوازن فيما يخص موضوع الأمن بعيدا عن التركيز الشامل والكامل على الأمن العسكري للدولة ومؤسساتها، ولصالح مواطنين الدول واتباعها(3)ولقد أزدادت أهمية مفهوم الأمن الإنساني في ظل إتساع نطاق العولمة عالميا وتأثيرتها على مختلف المستويات والاصعدة.
فالأمن الإنساني وحقوق الانسان على الرغم من تشابكهم إلا أنها لا تعطي نفس المعنى، ونشير إلى إن المعايير الدولية لحقوق الإنسان قد تطورت على مدار الخمسين عاما الماضية، حيث أن المعاير في نطاقها وعمقها تمثلت بأحدى الانجازات الهامة التي توصلت إليها البشرية في العصر الحديث، على الرغم من عدم تطابق مفهومي الأمن وحقوق الإنسان من حيث المعنى، إلا أنهما لا يتعارضان أو يتداخلان إصطلاحا، فكلاهما يختص بأفكار منفصلة، كذلك يضطلع بوظائف مختلفة، ومع ذلك فإن البعض يقول بوجود علاقة وطيدة وقوية بين مفهومي الأمن الانساني وحقوق الإنسان، وعند الحديث عن مفهوم الأمن الإنساني فلا يمكن إلا أن نتحدث عن أهمية حقوق الإنسان وعلاقتها بمفهوم الأمن الإنساني، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هناك تجاوب من قبل الإطار العام للنظرية حقوق الإنسان.
والأمن مفهوم يتسع ليشمل عدد من المعاني والمفاهيم الفرعية كالأمن الغذائي والإنساني والإقتصادي والإجتماعي والمدني والسياسي والأمن الحيوي البيئي جميع تصنيفات مفهوم الأمن الإنساني تتقاطع في ثلاثة مستويات الشخصية والوطنية والدولية.
ومما تقدم، نلاحظ مدى إتساع الامن الشخصي إلى استيعاب مفاهيم وقيم إنسانية جديدة تتطور من فترة إلى أخرى. ومع ذلك فإنني لست من مؤيدي حلول نظرية الأمن الإنساني محل نظرية حقوق الإنسان، وذلك لسبب بسيط وهو أن الأخيرة أقدم وأعرق من حيث التجربة مقارنة مع الأولى، ولعد اتضاح معالم الاولي مقارنة مع الاخيرة.
أضحت جدلية الأمن وحقوق الإنسان مسألة غاية في الأهمية، إذ لا يتصور وجود الأمن الحيوي، الاقتصادي والإجتماعي والثقافي، كما أن حقوق الإنسان خاصة تلك المرتبطة بحقه في الأمن تعنى أن يكون أمن في حياته، وممتلكاته، وممارسته لعقائده ومعتقداته وسلامته في جسده ومصادر رزقه، وآمنه الإجتماعي ومؤسساته العامة وجدت جميعها من أجل خدمته والتوفير الراحة والرخاء والكرامة الإنسانية له.
ولهذا وبناء على ما تقدم فأننا نرى بأن حقوق الإنسان تتقلص وتتلاشي مع غياب الأمن أو إنعدامه، وذلك لأن الأمن يلعب دورا أساسيا في حماية وتنمية حقوق الإنسان، وإذا أختلت موازين الأمن في أي بلد من البلدان فإن ذلك يؤثر سلبا على حقوق الإنسان.
ولهذا فأننا نلاحظ أن معظم دول العالم في ظل الظروف الإستنثنائية التي يفرضها الارهاب تتساهل في التزاماتها الخاصة بحفظ حقوق الإنسان وإحترامها لصالح الإعتبارات الأمنية التي أضحت تطغي في مفهومها وتطبيقاتها وأولوياتها على إعتبارت حفظ وحماية قيم حقوق الإنسان، ووفقا لهذه الحالة الإستثنائية أصبحنا أمام إنقلاب قيمي على مفاهيم العدالة والمساوآة، وقيم حقوق الإنسان التي تحميها معظم دساتير العالم، وقوانينه، بالإضافة إلى المواثيق والمعاهدات الدولية.

2. العلاقة بين حقوق الإنسان والأمن الإنساني
في تقريرها لعام 2003، تحت عنوان الأمن الإنساني، اكدت اللجنة المستقلة للأمن الإنساني(1) على أن فكرة أو منظومة الأمن الإنساني تساعد على تحديد ماهية الحقوق الواجب أحترامها في ظل ظروف معينة، وأن حقوق الإنسان تساعدنا على الإجابة على عدد من التساؤلات المتعلقة بكيفية رفع مستوى الأمن الإنساني وفكرة الواجبات والإلتزامات التي تكمل الإقرار الآدبي الأخلاقي والسياسي بأهمية الأمن الإنساني(2)
ومن وجهة نظر اللجنة الدولية للأمن الإنساني فأن فكرة منظومة الأمن الإنساني تهدف إلى حماية حياة الإنسان بصورة تعمل على تعزيز الحريات الشـخصية(3) وأشار تقرير اللجنة بأن معظم المخاطر والتهديدات التي تهدد أمن الأشخاص لم تصنف كمخاطر تهدد أمن الدول. ووفقا لتصورات اللجنة فأن فكرة الأمن الإنساني تهدف إلى العناية بالظلم، والمسائل المتعلقة بالحرمان والفقر، والمرض، والأمية والتلوث وغيرها(4) وبالتالي فإن مفهوم الأمن الإنساني يعني بحماية الحريات الأساسية، خاصة وأن هذه الحريات تعتبر جوهر حق الانسان في الحياة(5).
وتعود فكرة الأمن الإنساني في جذورها إلى الحريات الأربع التي نادى بها فرانكليين روزفلت، في خطابه الموجه إلى الأمة الأمريكية بتاريخ 6/1/1941(6)، والتي تشمل حرية التعبير، حرية الاعتقاد، التحرر من العوز والتحرر من الخوف. وأصبحت هذه الحريات الأربعة لاحقا الأساس لفكرة إنشاء هيئة الأمم المتحدة.
وبناء على ما تقدم وضعت الامم المتحدة نصب عينها مسائل المحافظة على السلام والأمن الدوليين، ودعم التنمية الإقتصادية والأجتماعية وكذلك حقوق الإنسان، بأعتبارها من أهم الأهداف الواجب تنفيذها وتحقيقها من خلال التعاون الدولي. وهذا فعلا ما جاء التأكيد عليه في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.
وتبعا لما شهدته البشرية من دمار وويلات اثر الحرب العالمية الأولى والثانية، أدرك العالم أن الحروب والعداء والحرمان الإجتماعي والإقتصادي والإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان جميعها تمثل أساسا لإنعدام الأمان، والقمع والعوز والخوف، لذلك فإن مجابهة العداء واحلال السلام لا يمكن ان يتم دون توفير الأمن أولا والرخاء الإجتماعي والإقتصادي ثانيا.
وفي جميع الأحوال فإن مجلس الأمن الدولي لن يكون قادرا على تحقيق الأمن والسلام في العالم، إذا لم يشعر كل شخص أمن في بيئته وعمله.
والأمن الإنساني وفقا لما سبق يشبه ما يعرف بإعادة إكتشاف الروابط الأساسية للأهداف المختلفة للأمم المتحدة، وواجب الدول الأعضاء في التعاون من أجل تطوير ودعم هذه الأهداف، كما إن ادخال قيم حماية حقوق الإنسان على جميع الأنشطة المختلفة للأمم المتحدة، خاصة بعد إقتراحات الإصلاح التي نادى بها الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان 1997، عكست الأمر ذاته(1).
وأضحت فكرة حماية حقوق الإنسان تتسع لتساهم في دعم الإجراءات الرامية إلى تفعيل دورها في التنمية، وحل النزاعات، وحفظ السلام وبناء السلام.
ونلاحظ بأن الوقت مواتي إلى أن نوضيح أهم الروابط الأساسية التي تربط فكرة الأمن الإنساني لحقوق الإنسان، وبمدى مساهمة كل منها في تحقيق أهداف وأغراض الأخرى علي صعيد حفظ كرامة الأنسان وأدميته وتحقيق امنه الشخصي، الوطني والدولي.

3. المعايير الدولية لحقوق الإنسان
أن تشجيع وحماية حقوق الإنسان كأحد أهداف الأمم المتحدة عملت على زيادة الإهتمام نحو الفرد على الصعيد الدولي(1) أن حجر الزاوية الذي تقوم عليها فكرة حقوق الإنسان توجد حقا في النصوص التي تضمنها الأعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، ومع مرور الزمن أصبحت المبادئ الجوهرية في الإعلان العالمي ملزمة كقانون دولي عرفي أو مبادئ عامة للقانون الدولي، وأستحوذت هذه المبادئ على أهتمام فائق من قبل أجهزة هيئة الأمم المتحدة المختلفة، ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان(2).
ولقد تأكد على المبادئ التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العهدين الدوليين لعام 1966 حول الحقوق المدنية، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية(3) ويذكر أنه يوجد في الوقت الحاضر ما يزيد على 140 دولة ملزمة قانونا بتنفيذ ما جاءت به هذه المعاهدات.
ويطلق على هذه المعاهدات الثلاث، الميثاق الدولي لحقوق الإنسان International Bill of Human Rights، وتشترك جميعها في تشكيل وتكوين ما يسمى بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن ثم تبني العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية في سياق حماية حقوق الإنسان وفقا للنظرية القانونية التي أحتوت عليها المواثيق الدولية الثلاث، حيث تأثرت بمبادئ حقوق الإنسان التي أشتملت عليها جميع المواثيق والمعاهدات الإقليمية لحماية حقوق الإنسان، والقانون الدولي لحقوق الإنسان هو قانون شامل قابل للتطبيق على جميع الأشخاص وفي كل الأوقات في الأزمات والحروب، وفي أوقات الصراعات الداخلية والخارجية.
وفي السياق ذاته، جاءت معاهدات جنيف الأربعة 1949 على صعيد القانون الدولي الإنساني لتطبيق المزيد من الحماية لقيم حقوق الإنسان في أوقات الصراعات المسلحة، بينما تبلور الوضع القانوني لحماية اللاجئين وفقا لمعاهدة 1951 المتعلقة بأوضاع اللاجئين(4).
هذه المنظومة التي ينطوي عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان تعمل على توفير الضمانات القانونية اللازمة لصون وحماية الإنسان في كرامته وأدميته، من خلال توفير العديد من الحقوق، ومن أهمها الحق في الحصول على الغذاء، الرعاية الصحية، والتعليم، والمسكن والمسآوى وحماية الأسرة. كما تعمل هذه المنظومة على توفير الحماية اللازمة ضد العبودية، التعذيب، والمعاملة اللأنسانية والمهنية، وحرية التفكير والاعتقاد بالإضافة إلى الحق في حرية الرأي والتعبير.
أن الحرية في الحصول على والتمتع بجميع الحقوق هي أحد العناصر الأساسية لفكرة الأمن الإنساني وتقع مسؤولية حماية حقوق الإنسان على الدولة، وفقا لتنتفيذ هذه الحقوق من الحكومات بالإضافة إلى الألية الدولية لحماية حقوق الإنسان والتي تهدف إلى مراقبة وتشجيع تطبيق هذه الحقوق، وتلتزم الدول بحماية القيم الثقافية، ومبادئ الديمقراطية والمشاركة الفردية، ومبدأ سمو القانون ودعم والحصول على العدالة من خلال توفير المحاكم المختصة والمزودة بالكفاءات من القضاة المدربين والمختصيين بحل جميع الأشكالات القانونية.
وفي الوقت الحاضر، هناك حوالي سبع معاهدات عالمية لحقوق الإنسان، تعرف كل منها بـ Treaty body، أو لجنة الخبراء المستقلين(1). وتتشابه وظائف لجان هذه المعاهدات والاتفاقيات من حيث العمل على مراقبة وتطبيق وتنفيذ النصوص الخاصة بحماية حقوق الإنسان.
ويذكر أن أربعة من هذه اللجان تمتلك الإختصاص القانوني لتلقي الشكاوي التي يتقدم بها الأفراد من الدول التي وافقت على قبول هذا الاجراء الاختياري، فعندما تصادق الدولة على المعاهدة الدولية فإنها تفترض بها الإلتزام بتنفيذ جميع نصوص المعاهدة التي هي طرف فيها، وتكييف تشريعاتها المحلية مع ما ينسجم ونصوص هذه المعاهدة.
وتلتزم كل دولة في هذه المعاهدات بتسليم تقارير دورية خاصة بالإجراءات التي تم اتخاذها للتأكيد على الحصول على كافة الحقوق المنصوص عليها في هذه المعاهدات، ويتم الفصل في هذه التقارير من قبل الاجهزة المعنية في كل معاهدة، بالإضافة الحصول على المعلومات والمصادر المختلفة، وبحضور الوفد المفاوض من الدولة المتقدمة بالتقرير إن تفحص اللجنة مثل هذه التقارير يؤدي إلى تبني التعليقات والملاحظات النهائية، والتي من خلاله تبدى اهتماماتها وتوصياتها للدولة الطرف للعمل المستقبلي، كما ويفترض أن تقدم الدولة الطرق في المعاهدة بتنفيذ هذه التوصيات وتقوم أجهزة المعاهدة المتقدمة بتبني التوصيات عامة والتي من خلالها يتم توفير الإرشادات اللازمة للدول حول معنى بعض مواد معينة من المعاهدات(2).
وفي الواقع العملي، تقوم معظم لجان حقوق الإنسان بالتركيز على أبعاد مختلفة من مسائل الأمن الإنساني، حيث تعمل أيضا على مراعاة مثل هذه الأبعاد أثناء مباشرتها لنشاطاتها المختلفة على صعيد حماية حقوق الإنسان، كما ولها الحق في بعض الأحيان أن تدخل في حوار معمق مع الدول الطراف في المعاهدة حول مسائل تتعلق بالأمن القومي، عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الفشل في تطبيق وتنفيذ النصوص المتعلقة بحماية حقوق الإنسان(1)
أدرك المؤسسون الأوائل لهيئة الأمم المتحدة مدى ترابط مفاهيم الأمن الفردي، والقومي والدولي مع بعضها البعض(1).
ويعتمد الأمن الشخصي للأفراد وضمانه على الدولة التي تلتزم بتوفير كافة السبل التي من شأنها أن تحمي الأفراد في امنهم وفي حياتهم وممتلكاتهم، ويمكن للأمن الإنساني الفردي أن يتهدد ويسبب أفعال قد تعتمد الدولة ذاتها على اتخاذها ضد مواطنيها وبصور مختلفة ومتعددة مثل القتل العشوائي والإضطهاد، يمكن أن يتهدد الأمن الإنساني لمواطنين عن قبل دولتهم كنتيجة لما يحدث على الصعيد الدولي، مثل النزاعات المسلحة والحروب(2). كما أن تسليح الأفراد وإرتفاع وتيرة العنف من شأنه أن يمس بالأمن القومي للدولة في المقابل، عند نشوب حرب أيضا حتى عند المواجهة العاملية للإرهاب وتجارة السلحة غير الشرعية.



#رائد_سليمان_احمد_الفقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل ...
- اتهام إسرائيل باقتراف -جرائم طبية- وتنكيل وتعذيب بمستشفى سجن ...
- عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب لإتمام صفقة الره ...
- إسرائيل: منتدى الأسرى يطالب نتنياهو بتجاهل الضغوط السياسية و ...
- ارتفاع حصيلة المعتقلين في الضفة الغربية لـ 8575 فلسطينيا منذ ...
- أهالي عدد من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة يهاجمون رئيس وز ...
- مسئول ملف الأسرى الإسرائيلي السابق: حماس جادة بالتفاوض
- زواج المثليين يكبح الحوار بين الكنيستين الأرثوذكسية الروسية ...
- -واشنطن بوست-: سكان بالضفة يتهمون قوات إسرائيلية بتنفيذ عملي ...
- -إشعار قبل 48 ساعة-.. اجتماع بين إسرائيل ومنظمات إغاثة بشأن ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رائد سليمان احمد الفقير - جدلية الامن وحقوق الانسان في عالم الارهاب